Thursday, 1 November 2018

مقاله عن مسيرتي بقلم الاستاذ جوزيف الفارس في مجله بانوراما الاستراليه .

مجله بانوراما  الاستراليه العدد 0474 الاول من نوفمبر 2018.
مقال الفنان والمخرج المسرحي جوزيف الفارس .





احلام عرب نجمة متالقة في عالم
الابداع والعطاء
الذي يبحث بين سطور الصحف والمجلات الفنية سيتعرف على حياة هذه الفنانة التي لم تولد في احضان عائلة تشجع الفن ولا يوجد من بينهم من له ميول فنية يدعم رغبتها ويشجعها على خوض تجربة هذا العالم الغريب والبعيد كل البعد عن اجواء عائلتها , انما بقي هذا الحلم يراودها من اجل الوصول اليه والمساهمة في تحقيق رغباتها الفنية والتي اكتسبتها من مشاهداتها المستمرة للمسلسلات التلفزيونية و بعض الافلام العربية والتي كانت سائدة انذاك في صالات العروض السينمائية في بغداد , نعم , لربما كانت عائلتها تتمنى ان احد افراد عائلتها ان يخوض غمار تجربة هذا العالم الفني الا ان العادات والتقاليد والاعراف الاجتماعية والتي كانت سائدة انذاك قد تمنعهم من التشجيع على حث ابنائهم للخوض في هذا التهج والذي يحتاج الى التحدي للعادات والتقاليد البالية واتخاذ القرار الحاسم ليكون عامل من عوامل دخول هذا العالم الفني ولا سيما ان هذه الفتاة احلام عرب عاشت الامرين , اولهما العادات والتقاليد الاجتماعية , وثانيهما عدم التشجيع من افراد عائلتها للدخول وخوض تجربة مجهولة المعالم لفتاة تعيش ضمن قيود تحد من انشطتها وحريتها في اختيار ماتحلم في تحقيقه لحياتها ومستقبلها في الفن , انما الذي ساعدها على وضع اول خطوة في المسيرة الفنية هي الانشطة المدرسية من فعاليات فنية ورياضية وادبية , لقد وجدت الدعم والتشجيع من قبل معلماتها في المرحلة الابتدائية ورسخ هذا الدعم المعنوي تطلعاتها الى تحقيق هذا الحلم والذي طالما راودها واصبح هو الهم الوحيد وشاغلها لتتمكن تحقيقه وعلى نطاق المستقبل , وبالرغم من اعتراض الاهل , واقاويل الاقرباء والمقربين من عائلتها الا ان التحدي واتخاذ القرار الفردي والايمان به اعطت صورة واضحة لعائلتها لفهم شخصيتها وطبيعة ميولها .
لقد دخلت معهد الفنون الجميلة في عام 1973 لتكتسب منه ثقافتها وتجربتها وتتطلع من خلاله على عالم فيه من جمال الاجواء ومتعة الحياة الفنية بين طلبة يلهثون خلف الاكتساب الثقافي ويتطلعون الى مستقبل يحاولون من خلال المسرح على التغيير والتطوير , وكيف لا وهم يطلعون على المدارس الحديثة في المسرح ويكتسبون من مؤلفات الكتب المسرحية العالمية ثقافة تعينهم على تحقيق طموحاتهم للمستقبل الذي يحلمون خوض تجربته الفنية وهم يطبقون تعاليم ستانيسلافسكي وبرشت و ويتاثرون بكتابات انطون تشيخوف وشكسبير والبير كامو وبرنادشو و كان هذه هو زادهم الذي اكسبهم تجربة حياتية وثقافة اكاديمية لتنتقل من مرحلة التنظير الى مرحلة التطبيق العملي في مشاركاتها زملائها الطلبة في اطروحاتهم , كانت احلام عرب الجذر المغروس في اروقة معهد الفنون الجميلة لترتوي من معينه ماء الثقافة النظرية والتطبيق العملي في حقول تجاربها المسرحية , لقد تعرفت احلام عرب على مولير وابسن وانطوان تشيخوف وبرنادشو وتعلمت منهم اسلوب التاليف المسرحي والتنظير الفلسفي لمجريات وقائع الحياة في المدرسة الواقعية , ان احلام عرب انفردت عن زملائها بالبحث والتقصي فاحبت هذا العالم من خلال تطلعاتها الثقافية والادبية وتحقيق احلامها في عالم يسوده الجمال , ولاسيما مطالعاتها للروايات وادبيات المسرح , عرفت كيف تحلل الشخصية وتجد ابعادها , تدربت على الصوت والالقاء واكتسبت من خلاله ثقافة الالقاء و مخارج الحروف , تدربت على التكنك بدي ( الرياضة الجسدية ) عرفت بان على الممثل ان يتعرف على ادواته في التمثيل الا وهو صوته وجسمه , لقد نهجت النهج الصحيح حينما دخلت معهد الفنون الجميلة ووجدت نفسها امام لجنة الاختبار والتي اجتازتها بنجاح وتفوق , لقد استحوذت على اعجاب اللجنة بموهبتها الفطرية مما شجعوها على مواصلة دراستها في المعهد .
لقد كانت احلام عرب هادئة بطبعها , كانت تصرفاتها محط اعجاب من العديد من الزملاء والذين اعجبوا باسلوب كلامها ونقاشاتها الموضوعية في تاريخ الادب المسرحي مما وجدت لها مكانة بين زملائها محفوفة بالاحترام المتبادل والاعجاب بشخصيتها .
لقد عاشت الفنانة احلام عرب مرحلة دراسية فيها من متعة الاكتساب الثقافي والاكتشاف لخفايا هذا العالم المستمد واقعيته من هموم الناس والمجتمع , لقد اهتمت بالبحث والتقصي في ادبيات هذا الفن مما اكسبها ثقافة تميزت عن زملائها من طلبة معهد الفنون الجميلة وتالقت بعطائها المثمر وهي طالبة تبحث في الكتب والمصادر والتي وجدت فيها متنفسا اكسبها حياة جديدة ومختلفت عن حياتها السابقة , فتاة وجدت الدعم المعنوي والتشجيع من قبل اساتذتها والذين كانوا يشرفون على تدريسها , اساتذة من رواد المسرح والذين اكتسبت منهم ماهمها من الثقافة المسرحية لحياتها ومسيرتها الفنية , اضافة الى دعم زملائها وزميلاتها من الطلبة التي عاشت معهم حياة اسروية والتي مازالت تعيش جمالية تلك العلاقة النقية والمبنية على الاحترام المتبادل .
هكذا كانت حياة الفنانة احلام عرب , كانت بقمة انسانيتها وتواضعها واخلاقها المستمدة من تربيتها ونشأتها والتي اكتسبت من خلالها العادات والتقاليد الاجتماعية وعرفت كيف تعالجها بموضوعية فيها من الاحترام لمشاعرهم واحاسيسهم , عاشت طفولتها في حي سكني شعبي في شارع الرشيد راس الكرية والعمار مما اضفى اليها حلاوة العلاقة الاجتماعية الشعبية والتي عاشتها في ظروف متوسطة الحال ومتطلعة الى عالم مليىء بالاحلام وهي ابنة بغداد والمتاثرة بالافلام السينمائية العربية ومعجبة بالمع نجومها , ولهذا كانت متلهفة لاكمال دراستها الابتدائية والمتوسطة من اجل تحقيق مشوارها الفني في ان تصبح يوما نجمة من نجوم الدراما العراقية .
لقد جسدت احلام عرب ادوارا عديدة ومختلفة ومتنوعة منها الامراة البغدادية والريفية وابدعت في تجسيدها للشخصيات المركبة والبسيطة مما دعا المخرجين من المسرحيين والتلفزيونيين الاسناد لها ادوارا اجادت تجسيدها وتالقت من خلالها مبرهنة على انها فنانة اكاديمية استعانت بثقافتها لتجسيد حرفيتها التمثيلية , فذهبت الى الاحياء السكنية الشعبية مجددا لتراقب الامراة الشعبية من حركاتها واسلوب حديثها , وتاخذا انطباعا عنها لتختزنها في ذاكرتها , ذهبت الى الامراة الريفية لتعيش اجواء حياتها وترسم لها صورة حية تضيف لها من ابداعات خيالها وابتكاراتها وبما يليق بثقافتها ورقي شخصيتها الفنية , عايشت النساء المسنات وراقبت اسلوبهم في الحديث ومشيتهم وانحناءات ظهورهم , زارت قصور الاغنياء وعن طريق بعض المعارف المقربين اليها وتعرفت على نمطية حياتهم الواقعية لكونها امنت بان المسرح هومحاكات للواقع وللطبيعة ومعايشة حياتية للشخصيات الواقعية , ولهذا وجب عليها ان تتطلع على مسار حياتهم لتتمكن من نقل صور هذه الشخصيات على المسرح , ومن هنا جاء صدق مشاعرها واحاسيسها في تجسيد ادوارها في التمثيل , وقد اجادت وابدعت وتالقت في العديد من الادوار التي جسدتها ان كانت عن طريق الشاشة الصغيرة او المسرح او في السينما .
كانت احلام عرب فنانة مثقفة وخزينة تجربة حياتية , ولهذا استعانت في تلمذتها بنظريات فن التمثيل ولا سيما من خلال كتاب ( اعداد الممثل ) ل ستانيسلافسكي واكتسبت منه ثقافتها والتي اعانتها في تجسيد معظم ادوارها في الدراما العراقية , لا تؤمن بالابتذال ولا تشارك في اعمال ليست مقتنعة بها , صريحة الراي , وجريئة في اتخاذ قرار مشاركاتها بالاعمال التلفزيونية والمسرحية , كانت مخلصة لفنها وتبذل قصارى جهدها كي تصل الى اعماق ادوارها من الاحاسيس والمشاعر الصادقة في رسم معالم الشخصية ودراستها مستعينة بذاكرتها وخيالها وخزينها المكتسب من دراستها وثقافتها . لقد شاركت احلام عرب في العديد من الاعمال المسرحية منها ديموقرطية ونص , واصدقاء المزرعة , وانهر والبستان , وكلكامش , وعش المجانين , والباب الشرجي , وفاتنة بغداد ---- الخ
لقد امنت بالطفولة البريئة وشجعت على ايجاد عالم لتجسيد البراءة ومن خلال مسرح الطفل ولهذا خاضت تجربة العمل فيه وقد نجحت في تحقيق تجربتها هذه مما ساعدها هذا النجاح على تكرار تجربتها مرات عديدة وتالق في برسيخ تجربة لهذا المسرح الوليد .
ان الفنانة احلام عرب فنانة شاملة , فهي معدة وممثلة ومخرجة , تؤمن بان على الانسان ان يثق بابداعاته وخزينه الحياتي من الصور الحياتية والواقعية , اضافة الى رؤياه المتجددة وعلى مر الزمان ويكتسب مما يصادفه من صور حية وتجارب عديدة يستعين بها في مسيرته الفنية , انها تؤمن بالطاقة الابداعية المختزنة عند الانسان , ولهذا هي تستعين بالطاقات الشبابية والمواهب الفطرية لتخلق منهم فنانين يتعاولون مع الدور في النصوص المسرحية بحرفية فيها من الابداع وجمالية التعبير .
انها طير هاجر عشه الى بلاد الغربة وهي تتطلع الى ذكريات طفولتها ومرحلتها الدراسية وشبابها وعطائها , تزوجت من رجل ليس بفنان وانما يؤمن بالفن على انه عصب الحياة , كان هو الداعم المعنوي لها , انه رجل علم ولكنه ليس ببعيد عن الفن لكونها تلتجىء اليه للاستئناس برايه وبمشورته , لقد هاجرت الى لندن لتعيش عالم الغربة بكل مقوماته الحياتية واللغوية والاجتماعية , لم تنتزع بغداد من ذاكرتها ومن احلامها , كانت تتوق الى شم انسام دجلة وشم رائحة شارع الرشيد والاحياء السكنية التي تحاذي شارع الرشيد , كانت تتوق الى اروقة وصفوف معهد الفنون الجميلة ومسارح بغداد .
تركت احلام عرب العراق وقلبها مليىء من الحزن والالم على هذا الفراق , وفي المهجر – حاولت التاقلم والتكيف وحسب مقتضيات الحياة الاقتصادية والاجتماعية الا انها وجدت الصعوبة في ذالك التاقلم الا ان الجالية العراقية والعربية لعبت دورا ايجابيا في مرحلة حياتها الجديدة , لقد تركت بداية مسيرتها في العراق لتبدأ من الصفر والبداية اشد وقعها على المهاجرين الا انها استسهلت مقومات هذه المرحلة من جميع ظروفها المحيطة بها , وكيف لا وهي صاحبة خبرة وتجربة تعلمتها من الحياة الواقعية والتي عاشتها في العراق انه لا مستحيل للانسان المثابر والمؤمن بطريق يسلكه من اجل ان يحقق اهدافه ويواصل مسيرته ويواكب ركب ما كان عليه من الثقافة والتجربة في مسار حياته الفنية , ولهذا سعت وفي بداية مشوار غربتها التعرف على الجالية العراقية والعربية ولاسيما من الادباء والمثقفين والفنانين العرب والعراقيين , وسعت الى الاتصال بهم وخلق العلاقات والصداقات مع الشابات والشباب من الذين يملكون المواهب الفطرية بغية صقلها والاستفادة من مواهبهم للاستعانة بهم من اجل اعمالها لتواصل مسيرتها وتعمل على خلق مسرح جماهيري في لندن وتعريف الجمهور على هوية الفنون المسرحية العراقية , وهكذا فعلت وحققت احلامها بخلق مسرح عراقي جماهيري في لندن تكلم عنه القاصي والداني من الموجودين في هناك , والذي اعجبت الصحافة العربية والمثقفين العرب .

 
الفنان المسرحي جوزيف الفارس .


No comments:

Post a Comment