معالجة جديدة لثنائية الشرق والغرب في فيلم «تبولة وﭘاي»
منذ 5 ساعات
ينتمي الفيلم الروائي القصير «تبولة وﭘاي» Tabbouleh & Pie للمخرج العراقي جعفر عبد الحميد إلى «سينما المؤلف» التي يفرض فيها صانع الفيلم هيمنته على المفاصل الأساسية كالإخراج والسيناريو والمُونتاج، ليجسد من خلالها رؤيته الإخراجية في التعاطي مع القصة السينمائية، وطريقة معالجتها، وحل العُقدة الإشكالية التي تنطوي عليها ثيمة النص المكتوب، الذي تخلص من صيغته الأدبية وأصبح نصًا بصريًا قابلاً للتصوير.
تنم القصة السينمائية التي كتبها المخرج نفسه عن قدرة احترافية واضحة، فقد سبق له أن كتب سيناريوهات أفلامه الخمسة، التي نجحت وظلت نابضة بالحياة حتى يومنا هذا، كما أنه يُمنتج بعض أفلامه ويضفي عليها سلاسة المونتير العارف بأسرار المهنة، فالمتلقي الذي يُشاهد أفلامه يشعر بانسيابيتها البصرية لأنها تخلو من العثرات التي تعيق تدفق الأحداث أو جريانها بشكل إيقاعي مُنتظم.
لم يختر عبد الحميد قصة شائكة، ولم يرصعها بالحوارات المعقدة، رغم حساسية الثيمة التي تتمحور على ثنائية الشرق والغرب، أو الأنا والآخر، وكيف يتقبل أحدهما الآخر في لندن، المدينة الكوزموبوليتانية المتعددة الأعراق والأجناس والثقافات. نتعرف في مُستهل الفيلم على شخصية ريتشارد سميث «بول ريدلي»، وهو مدير تأمين متقاعد تنقلب حياته رأسًا على عقب بوصول جارته العراقية الجديدة فاتن الرافدي «أحلام عرب».
تنم القصة السينمائية التي كتبها المخرج نفسه عن قدرة احترافية واضحة، فقد سبق له أن كتب سيناريوهات أفلامه الخمسة، التي نجحت وظلت نابضة بالحياة حتى يومنا هذا، كما أنه يُمنتج بعض أفلامه ويضفي عليها سلاسة المونتير العارف بأسرار المهنة، فالمتلقي الذي يُشاهد أفلامه يشعر بانسيابيتها البصرية لأنها تخلو من العثرات التي تعيق تدفق الأحداث أو جريانها بشكل إيقاعي مُنتظم.
لم يختر عبد الحميد قصة شائكة، ولم يرصعها بالحوارات المعقدة، رغم حساسية الثيمة التي تتمحور على ثنائية الشرق والغرب، أو الأنا والآخر، وكيف يتقبل أحدهما الآخر في لندن، المدينة الكوزموبوليتانية المتعددة الأعراق والأجناس والثقافات. نتعرف في مُستهل الفيلم على شخصية ريتشارد سميث «بول ريدلي»، وهو مدير تأمين متقاعد تنقلب حياته رأسًا على عقب بوصول جارته العراقية الجديدة فاتن الرافدي «أحلام عرب».
ومن خلال اللحظة الحاسمة التي يسبب فيها انقطاع خط الهاتف الأرضي توقف الإنترنت، وشلل تطبيق السكايـب نُدرك أن ريتشارد بدأ يعاني من مشكلة جدية، وهي عدم قدرته على التواصل مع حفيده جيك في الساعة التاسعة من يوم غد، كما هو مثبت على «الروزنامة» المنضدية. وبغض النظر عن طبيعة المشكلة وأهميتها إلا أن حياة ريتشارد المتقاعد ارتبكت، لأن انقطاع الخط الهاتفي كان أشبه بالحجر الذي أُلقي في البِركة وحرك مياهها الراكدة. والمشكلة أن الخط الهاتفي الأرضي قد ربطه مهندس الاتصالات «تشارلي كارتر» بالخطأ وأوصله إلى شقة السيدة فاتن.
كان حضور الممثل تشارلي كارتر جميلاً ومؤثرًا، وهو يؤطر مشكلة الفيلم الرئيسة، والخطأ الذي ارتكبه في فصل الخط الهاتفي الأرضي لريتشارد وما تلاه من تداعيات باتت معروفة للقارئ الكريم.
ومثلما تعرفنا على ريتشارد وابنته ديانا وحفيده جيك من خلال الصورة والاتصال بواسطة الهاتف النقال فإننا سنتعرف على السيدة فاتن، وابنتها غادة الموجودة في بغداد لنكتشف أنها ممثلة مسرحية ولها باع طويل في هذا المضمار، ورغم أنها امرأة ستينية جميلة وأنيقة، لكنها وحيدة تمضي يومها بالتبضع والقراءة وإعداد الوجبات الشرقية، ولعل الصحنين الشهيين من التبولة والفلافل هما اللذان غيرا وجهة نظر ريتشارد وحفزتاه لأن يطلب من مهندس الاتصال أن يُبقي الخط كما هو عليه، لأن هذه السيدة الجميلة التي بدت فظة وجافة أول الأمر، أصبحت صديقة ناعمة ورقيقة تصنع له الشاي والقهوة التركية، وتقدم له المأكولات الشرقية المسلفنة.
وفي المقابل فإن ريتشارد المتقاعد الذي رأيناه نشيطًا يتمشى كل صباح، يقتني الجريدة، ويحل أحاجي السودوكو، بدأ يفكر بجارته العراقية، وذهب أبعد من ذلك حين أعد لها فطيرة الراعي، ووضعها أمام عتبة بابها. تذوقت فاتن الفطيرة الإنكليزية فوجدت أنها لذيذة. ضغطت على شاشة هاتفها النقال رقم هاتفها المنزلي القديم فسمعت النغمة في البيت المجاور لها فابتسمت لينتهي الفيلم بهذه الابتسامة الدالة التي تمجد الصداقة التي سوف تبدد وحدة الجارَين، ولعلها تصل إلى حدود الحُب في المستقبل القريب الذي تركه المُخرج مفتوحًا كي يؤثثه المُشاهدون بمخيلاتهم المتأججة.
لم ينبثق اختيار المخرج جعفر عبد الحميد لشخصيات فيلمه الدرامي الكوميدي القصير من فراغ، فالمشاهد المتابع للمشهد السينمائي البريطاني يعرف جيدًا شخصية الممثل بول ريدلي، الذي اشترك في تمثيل العشرات من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية بدءًا من «كورونيشن ستريت»، مرورًا بـ»أقدام باردة»، و»الشاهد الصامت»، و»الأزمنة الصعبة»، انتهاءً بـ»تبولة وباي» وغيرها من الأعمال الفنية، فهو ممثل بارع يتقمص أدواره بحرفية عالية ويؤديها من دون الوقوع في انفعالات زائدة قد تنقلب ضد الدور المُناط به، وهذا ما فعله تمامًا في هذا الفيلم القصير الذي عالج موضوعًا كبيرًا في مساحة زمنية قصيرة لا تتجاوز الثلاث عشرة دقيقة.
أما الفنانة أحلام عرب التي اشتركت في فيلم «مسوكافية» للمخرج جعفر عبد الحميد أيضًا فقد كانت في أبلغ أدوارها وأكثرها هدوءًا ودلالة في التعبير، الذي تجسد في لغة العينين، وملامح الوجه، ونبرات الكلمات والعبارات والجُمَل رغم تقشفها ومحدوديتها الواضحة. فثمة هيبة في الشخصية، وقوة في الحضور، وقدرة آسرة على إغراء الطرف الآخر، الذي انجذبنا من خلاله إلى دورها المكثف، وشخصيتها المحببة التي مرت علينا مرور النسيم العليل.
وفي السياق ذاته كان حضور الممثل تشارلي كارتر جميلاً ومؤثرًا، وهو يؤطر مشكلة الفيلم الرئيسة، والخطأ الذي ارتكبه في فصل الخط الهاتفي الأرضي لريتشارد وما تلاه من تداعيات باتت معروفة للقارئ. لابد من الإشارة إلى أن المخرج جعفر عبد الحميد قد أشار، بعد العرض الخاص لهذا الفيلم في سينما «كلوز آب» في لندن، إلى اللمسات الفنية التي أضفتها المُنتجة والمخرجة العراقية أريج السلطان على سيناريو هذا الفيلم، لكنه لم يوضح لنا أبعاد هذه اللمسات الجمالية التي أنقذت الفيلم من بعض الهفوات المحتملة.
لا يكتمل أي فيلم سينمائي مهما كان قصيرًا من دون تآزر فريق العمل برمته ولعلي أشير هنا إلى براعة التصوير، ودقة اختيار الموسيقى، والسلاسة المونتاجية التي منحت الفيلم نكهة بريطانية خاصة تتميز بها أفلام جعفر عبد الحميد القصيرة والطويلة على حدٍ سواء. جدير ذكره أن المخرج جعفر عبد الحميد، أنجز ثلاثة أفلام روائية قصيرة وهي «اختبار سياقة»، «ساعتا تأخير» و»عيون مفتوحة على اتساعها»، إضافة إلى فيلمه الروائي الطويل «مسوكافية». ومن المؤمل أن يضع لمساته الأخيرة على فيلمين وثائقيين أحدهما عن حياة وتجربة الفنانة والمخرجة العراقية أحلام عرب المقيمة في لندن حاليًا.
وفي المقابل فإن ريتشارد المتقاعد الذي رأيناه نشيطًا يتمشى كل صباح، يقتني الجريدة، ويحل أحاجي السودوكو، بدأ يفكر بجارته العراقية، وذهب أبعد من ذلك حين أعد لها فطيرة الراعي، ووضعها أمام عتبة بابها. تذوقت فاتن الفطيرة الإنكليزية فوجدت أنها لذيذة. ضغطت على شاشة هاتفها النقال رقم هاتفها المنزلي القديم فسمعت النغمة في البيت المجاور لها فابتسمت لينتهي الفيلم بهذه الابتسامة الدالة التي تمجد الصداقة التي سوف تبدد وحدة الجارَين، ولعلها تصل إلى حدود الحُب في المستقبل القريب الذي تركه المُخرج مفتوحًا كي يؤثثه المُشاهدون بمخيلاتهم المتأججة.
لم ينبثق اختيار المخرج جعفر عبد الحميد لشخصيات فيلمه الدرامي الكوميدي القصير من فراغ، فالمشاهد المتابع للمشهد السينمائي البريطاني يعرف جيدًا شخصية الممثل بول ريدلي، الذي اشترك في تمثيل العشرات من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية بدءًا من «كورونيشن ستريت»، مرورًا بـ»أقدام باردة»، و»الشاهد الصامت»، و»الأزمنة الصعبة»، انتهاءً بـ»تبولة وباي» وغيرها من الأعمال الفنية، فهو ممثل بارع يتقمص أدواره بحرفية عالية ويؤديها من دون الوقوع في انفعالات زائدة قد تنقلب ضد الدور المُناط به، وهذا ما فعله تمامًا في هذا الفيلم القصير الذي عالج موضوعًا كبيرًا في مساحة زمنية قصيرة لا تتجاوز الثلاث عشرة دقيقة.
أما الفنانة أحلام عرب التي اشتركت في فيلم «مسوكافية» للمخرج جعفر عبد الحميد أيضًا فقد كانت في أبلغ أدوارها وأكثرها هدوءًا ودلالة في التعبير، الذي تجسد في لغة العينين، وملامح الوجه، ونبرات الكلمات والعبارات والجُمَل رغم تقشفها ومحدوديتها الواضحة. فثمة هيبة في الشخصية، وقوة في الحضور، وقدرة آسرة على إغراء الطرف الآخر، الذي انجذبنا من خلاله إلى دورها المكثف، وشخصيتها المحببة التي مرت علينا مرور النسيم العليل.
وفي السياق ذاته كان حضور الممثل تشارلي كارتر جميلاً ومؤثرًا، وهو يؤطر مشكلة الفيلم الرئيسة، والخطأ الذي ارتكبه في فصل الخط الهاتفي الأرضي لريتشارد وما تلاه من تداعيات باتت معروفة للقارئ. لابد من الإشارة إلى أن المخرج جعفر عبد الحميد قد أشار، بعد العرض الخاص لهذا الفيلم في سينما «كلوز آب» في لندن، إلى اللمسات الفنية التي أضفتها المُنتجة والمخرجة العراقية أريج السلطان على سيناريو هذا الفيلم، لكنه لم يوضح لنا أبعاد هذه اللمسات الجمالية التي أنقذت الفيلم من بعض الهفوات المحتملة.
لا يكتمل أي فيلم سينمائي مهما كان قصيرًا من دون تآزر فريق العمل برمته ولعلي أشير هنا إلى براعة التصوير، ودقة اختيار الموسيقى، والسلاسة المونتاجية التي منحت الفيلم نكهة بريطانية خاصة تتميز بها أفلام جعفر عبد الحميد القصيرة والطويلة على حدٍ سواء. جدير ذكره أن المخرج جعفر عبد الحميد، أنجز ثلاثة أفلام روائية قصيرة وهي «اختبار سياقة»، «ساعتا تأخير» و»عيون مفتوحة على اتساعها»، إضافة إلى فيلمه الروائي الطويل «مسوكافية». ومن المؤمل أن يضع لمساته الأخيرة على فيلمين وثائقيين أحدهما عن حياة وتجربة الفنانة والمخرجة العراقية أحلام عرب المقيمة في لندن حاليًا.
٭ كاتب عراقي
No comments:
Post a Comment