السبت، 18 ديسمبر 2010

مسرحية المجنونة تأليف وفاء عبد الوهاب واخراج عادل كوركيس .


مسرحية المجنونة من المسرحيات الشعبية التي كتبها  المؤلف وفاء عبد الوهاب خصيصا لي .
  والاستاذ عبد الوهاب له بصمة في مسرح الطفل  الذي شهد تعاونا مشتركا لنا انا اخراجا وهو مؤلفا.
الصديق المخرج عادل كوركيس اختار المجنونة لأخراجها لفرقة مسرح اليوم .



مجله الافق لقاء مع المخرج عادل كوركيس

مشهد من المجنونة اثناء التمرين


مشهد اخر من المجنونة


مشهد من المجنونة









المجنونة


اثناء التمارين

 اسند لي دور المجنونة من قبل زميلي واحد اقرب اصدقائي عادل كوركيس الناسك المسرحي والذي جمعتنا دورة مسرحية واحده في معهد الفنون الجميلة
 قررت ان ابحث عن الكاركتر في بيئة قريبة منه. لذا  ذهبت الى مستشفى الامراض العقلية ( الشماعية  ) .
ولكن الدخول لو يكن سهلا .فأستنجدت بفرقة مسرح اليوم والتي زودتني بكتاب مكنني من دخول المستشفى للمعايشة.كان يوما  غنيا وتعرفت على شخصيات ستبقى عالقة في الذهن لقوه كياناتيها.
سوف لن انسى جملة احداهن حين مغادرتي المستشفى الى اين تذهبين؟ لن تستطيعي مسايرتهم سيؤذوك  الافضل ان تبقى معنا فهنا مكانك الحقيقي. 

(وين رايحه ...مكانك ويانه )
هذه الجملة التي سمعتها وانا اغادر مستشفى الامراض النفسية أثر تجربة معايشة وبقيت عالقة في ذهني الى اليوم .
        
التجربة بدأت عندما اسند لي دور المجنونة في مسرحية تحمل نفس العنوان من تأليف الصديق وفاء عبد الوهاب واخراج الزميل والصديق عادل كوركيس ( لروحيهما الرحمة والسلام )،

 فقررت الذهاب لمستشفى الامراض العقلية لغرض مراقبة النزلاء ودراسة  تصرفاتهم كي اضفي على الكاركتر المناطة بتجسيدة صدق الحس والحركة .
علق المؤلف، الاستاذ وفاء، بروح نكتته المعهودة   (انه لاحاجه لي بذلك وماعلي الا اعتلاء الخشبة وسيقتنع الجمهور بالحالة ) . فأجبته بضحكة باردة كانت هي سلاحي الدائم في مواجهة سخريتة اللاذعة. وكان هذا هو وضعنا الدائم، مشاحنات ومشاجرات اثمرت اكثر من اربع مسرحيات حازت على اهتمام الجمهور والصحافة وصداقة دائمية  تشبه صداقه توم وجيري .                                                                                           
ذهبت الى مستشفى الرشاد او ( الشماعية ) كما كان يطلق عليها الناس . وقابلت الادارة وكلي امل بقبول التماسي الذي قدمتة بحرارة للبقاء مع النزلاء لغرض المعياشة، ولكن الرفض كان هو الرد الحاسم لي، لأنه لا كتاب رسمي يسند ويدعم حجتي .                           
 رجعت متذمرة  للزميل عادل كوركيس وطلبت منه ان يزودني بكتاب رسمي من فرقة (مسرح اليوم) والتي هو عضو فاعل فيها، وكنا نتمرن في مسرحها ذو ( ال60 كرسي ) . وكان هذا المسرح بمثابة بيت ثان لنا تعودنا على ارتياده والتمرين به من ايام الدراسة المعهدية . استجاب الزميل المخرج عادل كوركيس لطلبي وزودني بالكتاب الذي اخذته لاداره المستشفى، وهذه المرة استقبلت بشكل حسن، وسُمح لي بالبقاء مع المرضى بصحبة ممرضة كي تعرفني على الحالات. كانت ترافقها شابة جميلة ذات ضحكة ملائكية ساحرة . 
 أول حالة صادفتني كانت امرأة متوسطة في العمر ذات هندام مقبول تتمشى في الممر، ما أن رأتني، حتى توجهت نحوي بخطى بطيئة وبلهجة اقرب الى التوسل قالت لي: (اني مو مخبلة، صدكيني، بس ابن عمي طمع بالبيت وشمروني اهنا .. كوليلهم اني مو مخبلة).  

لااعرف بماذا شعرت ؟ بالضبط فقد كانت هي الكاركتر الذي سوف امثلة ... سيتقدم لي الكثير من العرسان بسبب ورث يأملون التنعم به مما يضطرني لتمثيل دور المجنونة لأبعادهم  . وقفت اتأملها، غير مصدقه ما يحدث وكيف تكون اول حاله اصادفها هي تماما ما ابحث عنه . ووسط انشداهي ودهشتي سمعت مرافقتي الشابة تهمس وهي تسحبني بعيدا عنها ( عوفيهه مخبله .. تعالي للقاووش ).

 دخلت الردهة واستخرجت دفتر ملاحظاتي وقلمي الرصاص.
كان هناك مجموعة من الشابات جالسات بودٍّ، تتوسطهن شابة جميلة بشعر اشقر اطفأ الاهمال جماله ، وعيون ملونة مازال بعض من بريقها لامع،وكانت كما يبدو متحدثتهم. ما ان رأتني، حتى انتصبت واقفة  وسألتني بشكل حاد
:  (اكلج، اني احب الدكتور وهذني يضحكن علي ويكولن مستحيل الدكتور يحبج لان انت مخبلة .انت شدكولين؟).                                                                                                           
كركرت زميلتها هنا وهناك، فنهرتهن (اسكتن، خلي نسمع شتكول ؟).
 فساد صمت  وتوجهت الانظار لي .
قلت لها: (شوفي عزيزتي، الحب ميعرف مخبل اوعاقل. ولايعرف غني او فقير أوصغير أو كبير .. وليش لا، هذا الدكتور اذا عنده مشاعر وما مرتبط ممكن يحبج).                                                                                                              
انتفضت الشابه الشقراء منتصرة وقالت لزميلاتها: (ها شكلت الكم ؟)، واشرت نحوي، (هذي تفتهم). وتعالت همهمات هنا وهناك ..(اي تفتهم) .
احسست باسترخاء وبأني اصبحت مقبولة بينهن .
           
 رجعت متحدثتهن وقالت بلهجة اخف: (خلي اسألها السؤال المهم)، وهمست بصوت واطيء ،
: (عندي بحث علمي مهم، والمخابرات الاميركيه طلبته، بس المخابرات الروسيه ايضا تريده، واني حايره شسوي ؟ شنو رأيج ؟).                                           
توجهت نظرات الجميع نحوي بشكل جاد هذه المرة.  فقلت بجديه تناسب الموقف وبصوت واطئ تماشيا مع الحالة:             
(شوفي عزيزتي، هذا موضوع مهم وخطير وميصير نتسرع. خلي ندرس الطلب الامريكي على كيفنا وندرس طلب روسيا، وبعدين نقرر وين مصلحتنا ).
                                                                                                                
صفق الجميع وتعالت الكركرات وسمعت عبارات تشجيعية مؤكدة ( تفتهم  اي  تفتهم )، سحبتني المسوؤلة، التي كانت تحمل اضابير لشرح الحالات بعد الانتهاء من مقابلتها،
 قالت لي: (هذه التي كلمتك كانت طالبة جامعية، ثالث علوم، قبل ان ينتهي بها الحال هنا). وأيدتها المرافقة الشابة بضحكتها الملائكية .
                                                                                         
 وانا اقطع الممر للذهاب الى المكان الثاني، استوقفتني لوحة كبيرة، فيها اعمال يدوية جميلة جدا واعمال حياكة تبهر الناظر. قالت مرافقتي ( انها اعمال النزيلات ). فأشرت على اجمل قطعة وطلبت رؤية من صنعتها .
 دخلت مكانا اخر ورأيت مجموعة اخرى من النسوه اكبر عمرا من المجموعة الاولى وارصن. وهناك امرأة رثة الثياب والشكل، منهمكة بأكمال مابيدها من حياكة وقيل لي انها هي التي صنعت القطعة الجميلة .
كانت صدمة كبيرة بالنسبه لي ان يصدر الجمال من بقايا امرأه اقرب الى هيكل حزن . تغلبت على مشاعري وجلست جنبها وسألتها ( انت شتسوين اهنايه ). اجابت بدون ان ترفع رأسها
:( كتلته، جان ايأذيني وكتلته، وجابوني اهنا).
قالت نزيلة اخرى، كانت واقفة تستمع لنا: (اني هم كتلته، هو وابنه وذبيتهم بالبلوعه ).
وقفت اسألها ( ليش هم كان يأذيج ؟). قالت بأبتسامة مسالمة ( بالعكس اصلا جان كلش يحبني ويجيبلي هدايا. جنا كلش سعداء، بس كتلتة هو وابنة وذبيتهم بالبلوعه ).
اجابت نزيلة اخرى، منزوية بعيدا، بلهجة ريفية متشاطره معهن ( واني هم طكيته ). فسألتها (شلون؟ ) قالت ( طكيته بالنعال ). لم يضحك احد وبدأت حالات القتل العنيف متساوية مع ضربة النعال .
سحبتني الممرضة الى الادارة، لغرض استراحة قصيرة. وسألتها كيف تقتل هذه المرأة السعيدة زوجها وابنه، ففتحت الملف وبدأت تقرأ لي التشخيص بشكل علمي، موضحة ان كل ماقالته هو العكس تماما، وايدتها الشابة بضحكتها الملائكية الأخاذة.
بعد الاستراحة مررنا بحالات كثيرة، كتلك الشابة التي تأبى ان تفارق الحمام والماء، وهمست لي الممرضة (شوفيهه شلون شابه بس اهلها بعد ميتحملون ). وكانت هذه الممرضة رائعة في تعاونها في الاجابة على اي سؤال وشرح الحالة النفسية المرافقة لها، ربما شجعها اهتمامي وكتابة ملاحظاتي لأي جملة تتفوه بها.     
                                                 
قالت لي سأخذيك لقسم الرجال لمقابلة حالة خاصة ستفيدك كثيرا، وكان ذلك .
عبرنا  لقسم الرجال، وجلست في غرفة صغيرة انتظر الحالة المترقبة بفضول، ومعي الممرضة والشابة.
 وماهي إلا دقائق، حتى دخل الغرفة حارس مع رجل مربوع القامة، يرتدي دشداشه داكنة نظيفة مع سترة تُضفى عليه هيبة ووقار. وسلم علي بأدب جم وجلس .
قالت له الممرضة (اشرح لها عن حالتك) .فأسترسل يسرد حكايتة بسلاسة لاتخلو من روح نكتة موضحا الامر بمصطلحات طبية اثارت استغرابي .
                                                                 
 قال: (صدام سوه القادسيه الثانيه، واني سويت القادسيه الثالثه).
 كان هو الرجل الذي انتشرت قصتة على كل لسان في تلك الفترة، الرجل الذي قتل زوجتة وبناتة وزوجة اخية وكل النساء في المنزل.
 قال انه كان سائقاً في الحرب، وكان يرى اثناء قيادته على نافذة السيارة جميع نساء بيته بوضعيات اباحية مخجلة، ويأتيه صوت بضرورة الخلاص منهن. وشرح لي بالتفصيل كيف فعل فعلتة، كيف قتل زوجتة والبنات، وكيف ارسل اخيه للمحل كي يتمكن من قتل زوجته ايضا. وشخّص الحالة علمياً، مؤكداً انها حالة  نادره جدا. وعلق ضاحكاً لانه من النوادر حصلت له.
خرجت من الغرفة غير مصدقة اني قابلت أعتى قاتل تكلم معي بهدوء عن جريمة هزت المجتمع العراقي. قبل ان تضع الممرضة الملفات مكانها، التفتت لي، مشيرةً الى المرافقة الشابه الملائكية التي كانت ترافقنا في رحلتنا، وقالت
اسأليها، انها ايضا حاله .
لم اصدق اذني، (معقوله؟).هذا الملاك الضاحك حالة
سألتُ الشابة: (وانت ماذا فعلت؟)
قالت بضحكتها الملائكية الساحرة
:(آني كتلت ابويه. كان نايم، وصعدت على صدره وبالسجين ). وبدأت تمثل الحالة بحركات الفعل الذي قامت به، تصاحبها ضحكتها الملائكية التي لم تفارقها . كانت هذه الحالة صدمة غير متوقعة ابدا بالنسبه لي . سالتها ( ليش ؟ ) . قالت: ( لأن كان يأذي امي ويأذينا)، وسردت الحادث وسط الضحك مرة ثانية .

دونت كل ذلك.
وقبل المغادرة، مررت بالنزيلات الشابات المرحات مودعة اياهن، وكان جميلاً ان اختم الزياره بهن بعد رحلة الاكتشافات الثقيلة.
وانا ابتعد عنهن، صاحت الشابة الشقراء، متسائلة بصوت عالٍ: ( انت وين رايحه؟ منو رايح يفتهمج اهناك ؟  انت مكانج الطبيعي يمنا).  




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق