السبت، 8 يناير 2011

مسرحية النهر والبستان تأليف عبد الرزاق عبد الواحد واخراج احلام عرب. عرضت على مسرح الرشيد1992.

(ست ، راح انسوي مسرحية وتنجح؟).


تجربتي المسرحية مع دور رعاية الدولة (الايتام)

  بدأت التجربة عندما أرسل في طلبي وزيرالصحة ، وكان وزيرا للعمل والشوؤن الاجتماعية (وكالة) د-اوميد مدحت وطلب مني ان أخرج عملا لأطفال دور رعاية الدولة بشكل تطوعي.
اللقاء الاول، تزاحم عدد كبير من الأولاد والبنات وبلهفة كبيرة لتسجيل اسماءهم بغية الاشتراك بالمسرحية، حتى أني تفاجأت بالأمر وغمرتني سعادة لا توصف.
كان اللقاء الاول للتعرف وجس النبض بغية اسناد الادوار وتوزيع المهمات.
بعد انتهاء اللقاء الاول مع الأطفال تلقيت صدمتي العاطفية الاولى؛ جاءت المشرفة تعلن انتهاء المقابلة ووجوب عودة الصغار الى مقراتهم ، فبدأ البكاء وتصاعد ونشج البعض بحرقة ، وانا في حيرة من هذا التعلق المبكر بالمسرح ، حتى قبل ان نبدأ التمرين . الى ان تبينت الامر، وهذه المرة انا التي بكيت وعلقت في صدري غصة مازلت سارية المفعول كلما تذكرتها.
 تبين ان السبب الرئيسي لالتحاق الاطفال بالمسرحية هو ان هناك اخوة واخوات لا يسمح لهم بالاختلاط في كل الاوقات ، فهناك دار للبنات واخرى للبنين ، وكانت المسرحية فرصة للقائهم وقضاء اطول وقت ممكن مع بعضهم البعض.
يالهي ماذا افعل؟
وكعادتي في كل تجاربي المتشابهة تحولت الى مرشدة تربوية وبدأ تعارف وددت ان لا ينتهي.
اختيار النص الملائم.
كان عندي اكثر من نص مسرحي ، ولكن كان علي اختيار ما يلائم العدد الكبيرمن الأطفال من الذين تقدموا للاشتراك بالمسرحية. وبعد بحث سريع وتقليب في الكتب والاوراق ، عثرت في مكتبتي وضمن نصوص منهجية قديمة مطبوعة للمدارس على نص (النهر والبستان)، للشاعر عبد الرزاق عبد الواحد . فأحببت الفكرة التي هي نهر في بستان لا يستطيع الجريان بسبب الطمى والغرين ، فتشاهد الطيور ذلك فيتعاونون على فتحه.
(وجدتها، بستان يعني مكان يسع الجميع).

وبدأت الرحلة المسرحية التي استهلها ولد من الدار كان اطولهم عوداً، لا يبدو عليه امتلاك مهارات تذكر في مجال الدراما، لكنه كان متحمساً جداً. فسألني بجدية (ست ، راح انسوي مسرحية وتنجح؟) ،فأجبته (اي انشاء الله).
واستمر يسأل هذا السؤال عقب كل تمرين وكانت اجابتي هي نفسها.
كانت تماريني تبدأ بالسماح لهم بتبادل الاحاديث  وحرية الحركة ، وكان اللغط يصل الى الادارة التي دائما ما ترسل احدهم للاستفسار عما يجري ، مطالبين ايانا بالهدوء ، فأخبرهم انه التمرين، ولكن تمريني الفعلي يبدأ بعد ذلك ’ عندما اجمعهم واقول (هل اكتفينا ؟ هل نبدأ العمل على المسرحية ؟ ) ونبدا  التمرين الذي كنا نتمتع به جميعا.

اعدادي المسرحي.
الاعداد كان بأسلوب بسيط وبرمزية عالية ،فالبستان فيه الجميع ، الانسان والنبات والحيوان ، يعيشون في سلام ووئام ، الا أن ثمة ضفادع لا تحب جريان النهر لأنها تريده مهمل وآسن ، فتتفق مع غرباء أشرار لتدمير البستان وإعاقة النهر عن جريانه.
وبالتالي يتم قصف البستان عندما يكون الجميع نيام ، 
وبعد أن تذبل الورود ويحتضر من في البستان ، يقرر الجميع التعاون وتنظيف النهر ليعاود جريانه.
اوعزت لجميع العاملين بعمل حلقات تبدأ من اعلى المسرح وتمتد الى القاعة ، والكل يحمل أنقاض النهر ويناولها للآخر ليتم التخلص منها . واخيراً، ينهض النهر الذي كان شابة جميلة ، وتبدأ الجريان على شكل الركض من أعلى المسرح لأرجاء القاعة مع موسيقى مفرحة ، فتندحر الضفادع.

كنت لا أود ان نعرض اًبدا؛ كنت لا اًود  ان ينتهي التمرين .
 فالعرض يعني انتهاء التجربة التي كنا سعداء بها فالتمرين عندي ابوابة مفتوحة وهناك دوما وافدين جدد.
ولكن حدث ما اوقفني عن العمل لوقت ليس قصير، حتى كادت تلغى التجربة؛ توفيت امي فجأة ، وانقلبت اموري الحياتية والاجتماعية رأسا على عقب ، وتعرضت لصدمة كبيره امتصت كل طاقاتي الايجابية وطوقني الاحباط ، فأنزويت جانبأً ، لولا وجود الاصدقاء والأحبة الاوفياء الذين أصروا على عودتي للعمل.

كنت بحاجة لهذا الطلب كي اتحرك مجددا وكنت قد استعدت شيئا من معنويتي وحيويتي فبدأت العمل فورا.
وهذه المرة ، التحق بي قسم من مجموعتي المسرحية لمسرح الطفل التي كنت قد كونتها وتركت بصمتها في الساحة، وعلى رأسهم المؤلف وفاء عبد الوهاب (لروحه السلام)، فكتب لي كلمات أغان جميلة تناسب الحدث، وقام بتلحينها عدنان مهدي (ساعدي الايمن في كل تجاربي السابقة لمسرح الطفل )، يساعده في ذلك حيدر صدام وعلي كريم.
والتحق بنا علي عبد الستار والذي كنا نسميه (علي الضروري) لشدة أهميته ، فوجوده يعني سينوغرافيا متكاملة.
بدء علي الضروري بتصميم ملابس مبهرة وغاية في الروعة ، وبدأت (جمعية الأمل للصم والبكم ) بتنفيذها بتقنية عالية.
والاطفال كانوا سعداء جداً بما ينفذ، ولعل اسعدهم تلك الطفلة الجميلة التي لشدة ترافتها ورقتها كتبت لها دور فراشة واسميتها (بالفراشة) وصمم لها زي من ابدع ما يكون،

قسم من الأطفال كانوا يبقون في الدارعنما لايأتي احد لاصطحابهم عندما يقدم بعض الاقارب ايام الجمع والعطل لاخذهم. فكان التمرين يشغل هولاء الأطفال ويكون نوعا من التعويض عن حرمانهم العاطفي.
مع اقتراب العرض حدث مالم يكن في الحسبان، اختفت ( فراشتي). لقد جاء اقاربها واخذوها من الدار وبقي دورها شاغراً، ففكرت في ابنتي الصغيرة التي بقيت بعيدة رغم ألتحاق غالبية زملائها في مسرحنا السابق للعمل معي ، فأسندتُ لها الدور الذي حفظته بلمح البصر، وكانت في أعلى درجات التشوق ليوم العرض كي ترتدي ثوب الفراشة الزاهي.
لم يبقى الكثير لنعرض العمل ، وتحول الجميع لخلية نحل الكل مستعد ، والفتى الطويل صار سؤاله اكثر الحاحاً ، مطالباً بإجابة (ست، راح نعرض المسرحية وتنجح؟). وقبل أن أجيبه ، فجأة علا صراخ وتقافز الأطفال مرحبين .
ماذا حدث ؟
لقد عادت (فراشتي الحلوة) .وبقدر فرحتي بالعودة كنت افكر بالمشكلة الجديدة ماذا سأفعل هناك واجب اخلاقي يحتم عليّ سحب الدور من ابنتي وارجاعه لطفلة الدار. وهناك محنة عاطفية غاية في الصعوبة مع طفلتي الحساسة التي اختفت من المشهد، وكنت اجول بعينيّ بحثا عنها بين بقية الأطفال فلا أجد لها أثرأ، ترى اين اختفت ؟ هل انزوت باكية في ركن ما بسبب الموقف؟
وانا في خضم هذه الافكار حدث مالم اكن اتوقعه.
ظهرت ابنتي لبوه من بين الكواليس تحمل ثوب الفراشة ، وتقدمت بكل تلقائية تليق بعظماء المسرح لتعطيه الى زميلتها الممثلة

 راقبت المشهد بغشاوة لأن دموع  السعادة حضرت لتشاهد معي هذا المشهد الذي كان مسرحية متكاملة ، وكان درسا من مخلوقة صغيرة لا تعرف كبر الموقف الذي عملته.

وعرضت المسرحية بحضور لافت .وتألق ثلاثة وعشرون طفلا وطفلة أعتلوا الخشبة لاول مرة وبرعوا في اداء ادوارهم وصفق الجميع للخاتمة فرحين بالنهر الذي انساب الى القاعة على شكل شابة جذلة تركض  راقصة بين الجمهور، وانا اركض بين الكواليس اراقب اللحظة كي لا تفلت ، وخلفي يركض طفل الدار الطويل هلعاً (ها ست ست نجحنا)؟
وخرج الاطفال للتحية وأسُتقبلوا بتصفيق يليق بجهودهم . والكل كان منتشياً للنهاية السعيدة ، باستثناء واحد كان يهمني رأيه جدا ولكنه اختفى ولم يصعد لتهنئتي او تهنئة الاطفال، مع العلم انه عمله او على الاقل فكرته، واقصد الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد .فقلت ربما انشغل مع بقية الحضور او جمهوره مما اعاقه عن تقديم التهنئة ، فقررت الاتصال به، فكان جوابه صدمة غير متوقعة.
عندما اتصلت بالاستاذ عبد الرزاق كنت جدا سعيدة وفخورة بالمنجز وطبعا توقعت منه المثل . الا انه فاجأني بهجوم حاد وكان عصبياً جدا، قال لي ماذا فعلت؟ لقد سببت لي احراجا حتى ان احدهم سألني منذ متى غيرت نهجك؟ لقد حولتي الاطفال الى دراويش يصلّون للسماء طلبا للماء.
تنرفزت وقلت له بعصبية مماثلة ، لقد طلبت منك الحضور في الجنرال بروفة ولكنك قلت لي انك تثق بي ، ثم ماذا اذا صلى الاطفال للسماء؟ لماذا لا تخبر وزارة التربية بحذف درس الدين؟
 تشنج الموقف بيننا واعلن براءته من العمل محملا اياي مسؤولية تشويه الفكرة.
والمشكلة انه كتب هذا التنصل في جريدة بابل ، وقد قيل ان من يُكتب عليه في هذه الجريدة يتعرض للتحقيق وقد يسجن في الرضوانية. وهكذا بقيتُ قلقة لأسابيع. متوقعة امرا سيئاً قد يحصل.لكن شيئا من هذا لم يحدث، بل بعد زمن ،قرر المكتب الاعلامي في وزاره العمل والشوؤن الاجتماعية توزيع هدايا للعاملين ، وكانت دشاديش وبجامات بازه ، صنع (معهد اللأمل للصم والبكم)

بعدان انتهت التجربة ومضت عدة سنوات على ذلك رن جرس منزلي ، فخرجت لأجد فتاتين جميلتين ابتسمتا حين رؤيتي ، وقالت احداهما فرحة(ست ، عرفتينا ؟ احنا بنات الدار، كلش حبينا المسرح ونريد ندرس فنون.. حبينا بس نسلم عليج) وذهبتا تاركتان ابتسامة على وجهي مزهرةً ابداً .   



بروكرام المسرحية


كتاب رسمي يوعز بتكوين فرقه مسرحية لدور رعاية الدولة .

بطاقة دعوة لحضور المسرحية.



كتاب شكرموجه لي من السيد الوزير اوميد مدحت
.

برقية  تعزية من السيد الوزير اوميد مدحت بمناسبه وفاه والدتي اثناء فتره التمارين مع دور الدولة( الايتام)


كتاب شكر


برقيه تعزية من الزميل فيصل جابر بمناسبه وفاه امي  


برقيه تعزيه من الزميل ناجي كاشي

بطاقه دعوة


مقالة الاستاذ الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد





 
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق