Thursday, 23 November 2023

جبّار ونّاس ورأية عن مسرحية حياة سعيدة تأليف الكاتب علي عبد النبي اخرا ج الفنان كاظم نصار.

 

أوهامُ الواقعِِ وغطاءُ الكوميديا المر
في مسرحية(حياة سعيدة)
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
جبّار ونّاس
يدخلُ المخرجُ (كاظم النصار) في مشروعه الجديد (حياة سعيدة) للمؤلف(علي عبدالنبي الزيدي) (تقديم من قبل نقابة الفنانين العراقيين المركز العام وعلى قاعة المسرح الوطني في بغداد ولمدة ثلاثة أيام إعتباراً من 13-11-2023) بنيةِ التداخل والتشاطر والتحري في جملة من المخاضات منها السياسي والإجتماعي وحتى على الصعيد النفسي المتشعب والمرتبك بحكم ما تفرضه تلك التحولات السياسية والأمنية وما تفرضه من أثر باهض على البنى القيمية في المجتمع
ومنذ التغير الذي حصل في العراق وقد مضى عليه أكثر من عشرين عاماً
ومن تصيّرات ذلك الأثر الباهض تنشغل مهمة الكاتب (علي عبدالنبي الزيدي) في تدوين مخلفات الأثر بما هو مدمر على افق الحياة في مجتمع كالعراق عانى من نكبات الحروب والتهجير والخطف والقتل على الهُوية وفي هذا المسار يكون (الزيدي) كمَنْ يحمل من هموم المؤلف بصيغة المدون والمؤرشف والفاعل الحيوي في التوثيق المفصل عبر إفتراضات الكتابة وتنصيصات المخيلة ليأتي بعنوان نصه التهكمي الذي يشير إلى كارثية الحياة التي حصلت بعضُ تفاصيلها في وعلى تاريخ المكان في العراق خلال العشرين عاماً الماضية لنتوفر على نص يحفلُ بالكوميديا التي تتوازنُ بالألم المتواري خلفها وبمفارقةٍ عريضةٍ يحققها النص ومن بعده مسارات الحدث المسرحي عبر متن العرض من لدن المخرج(كاظم النصار)
ومسارات (حياة سعيدة) تكاد تنمازُ عما إنشغل فيه (الزيدي) سابقا في الكثير من نصوصه فهذه الحياة المفترضة تحمل من غرائبية الفعل السعيد وكيف يكون التوصيف المناسب لحجم خلاصات السعادة لحياة تتهددُ مناسيبُ تواجِدِها بعديدٍ من فواعلِ الهدمِ والخرابِ والتعطيلِ المبطنِ والمُفْتَعَلِ لكل طموحاتِ إنسانِ هذا البلدِ الذي حُكِمَ عليه لأنْ تكون خياراتُ المصيرِ ونهايَتُه لديه تأتي عبر تناسلٍ يشي بالمرارةِ والسأمِ والإجحافِ فنكونُ مع لعبةِ الكوميديا وهي تسيحُ بين أوصالِ نصٍ تتقنعُ أو تُواري خلفها ذلك الفعلَ الماثلَ بكلِّ مثاباتِ المفارقةِ والفكاهةِ المرةِ لنرى فرحان وفرحانه يشركان ويتفقان على الكيفية التي ستكون عليها نهايةُ كلِّ واحد من أبنائهما فولدهما البكر (باسم) سيكون مع خيار الذبح أما إبنتهما (باسمه) فمع خيار القتل والإغتصاب بدلا من بيعها في سوق النخاسة في حين (بسّام) إبنهما الثالث فسيكون مصيره الخطف والإختفاء المجهول وقد يكون مزاج الوالدين مع التغيير حينما يختاران الهجرة كمصير ينتهي عنده مصير إبنتهما شمعة البيت (بسمه)
فلكم هو غريب ومثير هذا التناسلُ الذي تجسدَ بتصوراتِ المخرج (النصار) صورياً وحركياً بعد أنْ جاء بفرضية إخراجية آخذاً بنظر الإعتبار تنوع المشهدية وأنْ يقدمَ مساحةً وافرةً لعديد الحالات التي تمخض بها متنُ العرضِ وتاطيرها بلباس الكوميديا السوداء وهذا هو ديدن (النصار) والذي عرفناه في أعمال مسرحية سابقة قدمها كمخرج يحاول أنْ يكون له خط يتميز بطرح ما هو ساخنٌ بغطاء الفكاهة والسخرية التي تجعل من المتلقي يقف متيقظاً حيال العديد من الموضوعات الضاغطة بأثرها السياسي والإجتماعي والنفسي بين اوساط المجتمع وتلك هي من فواعل الكوميديا السوداء التي وجدناها عند (النصار) حتى في كتاباته وربما في أحاديثه خارج وبعيداً عن المسرح
فهذا الخيار عند (النصار) يتجسد بعرض (حياة سعيدة) ما بين البساطة والتقشف وما بين قوة القصد في المضمون والفعل الفني الذي يراهن على قيمة فعل الإخراج المسرحي حين تبرز فيه براهين التبصر وحيوية الفهم الصحيح لإنتاج عرض مسرحي يتسامى بعلو البهجة والإنشراح والمتعة التي يتركها في نفوس واذهان جمهوره
وقد تعزز هذا الخيار مع إختيار مكان وطريقة العرض إذ يجعل من تفاصيل متن العرض تتداخل بين ابصار وانفاس الجمهور وفي هذا رهان للمخرج وهو يعول على خارطة جلوس الجمهور ليجعل من احضانهم تشارك وتساهم في تكوين الصورة التفاعلية المتوخاة سيما وأنَّ هذا العرض فيه ما يشتبك ويلامس الكثير مما يعيشه أو يستشعر به هذا الجمهور وعبر واقع يشي بالغرابة والاوضاع غير المستقرة والتي يساهم المجتمع في بروزها وظهور الكثير منها بل يقف مساهماً في إدامة تمظهراتها على سطح الواقع وهذا نجده حينما لجأ المخرج إلى تشييد منظومة عرض مسرحي إعتمدت على ديكور ثابت بصياغة الفنان (سعد عزيز عبدالصاحب) إذ تمثل بغرفة/بيت
فأبواب وسطح هذه الغرفة باتت مشرعة فالدخول إليها يكون من كل الجهات في إشارة لعدم الإستقرار وإنفلات الأمور (بالعامية صايره سفرتحه) وايضا وجدنا في بطن الغرفة سريراً عليه مخاديدُ نوم أضحت بمرور تواصل الحدث المسرحي عبارةً عن جنائز يحملها صاحب الغرفة (العريس) بطلب من العروسين (فرحان وفرحانه) ووفق ما يتوصلان وبحسب ما هما عليه من اوهام لا اساس لها بالواقع
فضلا على أننا نكون مع تلك الغرفة التي أحالها المخرج إلى مصحة لمعالجة المجانين وهذا الأمر تحقق أمامنا بخروج تلك الممرضة والتي تكررت مراحل دخولها وخروجها فمرةً تدخل وهي تحمل الفواكه وأخرى تسجل من خلال (اللابتوب) وتصاحب (فرحان) المستلقي على الكرسي وكأنه في غيبوبة وهذيان غير مفهوم فهي في كل المساحة التي حضرت بها أصبحت الضابط والمتحكم والموجه لكل الشخصيات الثلاث التي تلبسها الوهم وفي المشهد الختامي قامت هذه الممرضة بإعادتهم إلى داخل المصحة وكأنَّها تطلق صافرة بإطفاء انوار صالة المصحة فلازواج ولاعرسان وما الأمر إلا محض اوهام بدليل بقاء الملابس النسائية الداخلية (الستيانات) والتي بقيت معلقة في احد جدران الغرفة وطيلة زمن الحدث المسرحي ومن دون أي إشتغال معها من قبل الممثلين
وفي هذا الفعل وإلأشتغال الفني في نهاية العرض من قبل المخرج نكون مع القول الذي ينص وبالقلم العريض: يكفي من تلك الاوهام ومن ذلك الجنون الذي تلبس بسلوكيات الناس ولابد من العودة إلى الواقع برهان العقل والتدبر والتبصر في شؤون مجتمعٍ يكاد يتداخل في احشائه كل ما هو غريب و يبعث على الغرابة في السلوك المجتمعي الذي يستجيب لمجموعة من المؤثرات المادية والروحية ومن دون التبصر في العوامل التي يجب توفرها للوقوف بوجه هذه الموثرات
وتبقى الإشارة الأهم فيما قدمته لنا مجموعة الممثلين من إنضباط عال في الاداء لتشكل هذه المجموعة الركن الكبير والنافح بملامح النجاح الكلي لهذا العرض فالممثل(حسن هادي) بدور (فرحان) فثمة مرونة قد صاحبت أداءه حتى وهو يتنقل مابين الحالات في الصوت والحركة فيبدو في إنسجام مثير رغم تعدد الحالات والمشاهد قدمها معتمداً على التلون في الصوت وكذلك في قدرته الحركيه المنضبطة وهو في مشاهد مع عروسه على السرير وأيضاً في في المشهد الآلي وايضا وهو يؤدي المراسل الإعلامي وبطريقة لافتة، والأمر يكون مع (لبوه عرب) في دور (فرحانه) فما يميزها هو قدرتها على إدامة فاعلية الإسترخاء التي إستمرت عليها وهي تتنقل عبر مشاهد مختلفة وهذا ما يحسب لها كممثلة تشي بالحضور الفني المبهر،
وعند الممثل(علاء قحطان) بدور (العريس صاحب الغرفة /البيت) فنحن مع مشهدية السخرية والضحك وبإنضباط عالٍ يساهم في إنتاج لحظات من المتعة الكوميدية التي تمظهر بها متن العرض فأشاع الإبتسامة على وجوه وقلوب الجمهور رغم مرارة ما قدمته ونوهت عليه مخاضات هذه الحياة السعيدة وبعنوانها المفارق، أما الممثلة (هديل سعد) بدور (الممرضة) فإنها إلتزمت بحدود المساحة الحركية التي وفرها لها العرض لتكون المفتاح الذي تؤول إليه الأمور في تفسير ماجاء به العرض وما أراد طرحه والبوح به من حيث قصدية المضمون وإشاعته على مرآى ومسمع الجمهور....







No comments:

Post a Comment